بعد انتفاء الحاجة
قصة/ عادل الصفار
تعثرت عدة مرات.. سقطت مرتطماً برصيف الشارع.. لزوجة الدم كونت بقعاً ظهرت باحجام متعددة على ملابسي.. لم انتبه الى وجودها حين القيت جسدي على مصطبة في ساحة تم تشكيلها على هيئة متنزه صغير بين تقاطعات الطرق وسط المدينة.. مثقلاً بالهموم مثل عتال انهكته أحماله، جلست متلفتاً حولي لعلي احظى بشربة ماء ترطب جفاف فمي، وتخفف من لهاث قلبي.. فوجئت بها تجلس قبالتي وقد رسمت على وجهها ابتسامة مثيرة وهي تحدق في وجهي ويداها تتحركان على ملابسها في مداعبة تكشف بين تارة وتارة أخرى عن أجزاء من صدرها وفخذيها ما يؤكد انها ممن يعرضن اجسادهن مقابل ثمن.. الثمن هو الغاية، ليس مهماً طبيعة الشخص الذي يلامس جسدها، المهم ان يدفع ما تطلبه مقابل وهم وسراب.. نعم.. فالمرأة ليست سريراً في فندق حتى ندفع ثمناً لنومنا علية.. ولا هي طعام يسد جوعاً او شراب يروي ظمأ، المرأة بلا حب يدفعها هي كالماء الذي لا يرطب جفاف فم او يخفف من لهاث عتال منهك.. ليس مهماً ان نعرف معنى الحب، المهم ان نشعر به ان يجعلنا نعبر عن معناه ببراءة كما يعبر الاطفال عن حبهم باساليب متعددة ومختلفة.. البسمة الحقيقية هي تلك التي ترسمها السعادة على وجوهنا كما ترسمها على وجوه الاطفال.. اما البسمة المزيفة هي التي نتعمد رسمها للوصول الى غاية تنتفي بانتفاء الحاجة.. قد يهزأ الناس ويسخرون مني، بل قد ينفجر بعضهم ضاحكاً لو قلت ان كلباً جعل الهموم تتفاقم وتغلي كالبركان في داخلي وهو يؤدي مشهداً لم يخطر على بالي ابداً.. نهضت متجهاً صوب العاهر فما لبثت حتى فتحت اصابع يديها في اشارة الى ثمن مضاجعتها، توقفت عندها تماماً وانا احدق في وجهها هامساً: أعطيك ضف ما تريدين، لكني لست من سيضاجعك..
ـ صاحبك.. خذني اليه..
ـ لا.. بل هو........!!
ما ان لفظتها حتى تلقيت على الفور بصقة في عيني، ثم دفعتني صارخة واطلقت ساقيها لمغادرة المكان ولسانها لهدر شتائم تتابع انسيابها الى مسامعي وهي تواصل سيرها مبتعدة في حين عاد مشهد الكلب يتجسم في مخيلتي وأنا اضع وجهي بين يدي مجهشاً ببكاء لم تشهده سنوات حياتي في اقسى حالات الحزن الألم.. الكلب يا نهلة..؟!! فوجئت حين سمعت انك تأوين كلباً في غرفتك تولينه كل حب وحنان، وانا الذي عهدتك تهربين مبتعدة عن الكلب والقطة وحتى عن الفأر والحشرة.. يا ابنة خالي التي احببتها منذ طفولتي، حبي لك فاق قساوة الألم وانت تحزين رأس الحب بسكين أعمى مرددة بسخرية مقيدة هازئة بكل مشاعري نحوك: ـ انه صديق أخي، نعرفه منذ سنوات ابن تاجر معروف، لدية سيارة حديثة.. وتضيفين ضاحكة: سنزفك فيها عند زواجك..
لم يستمر زواجها اكثر من شهرين حتى سمعت انها تواجه مشكلات في حياتها معه.. ثم سمعت بعد ذلك ان زوجها يعاشر غيرها ممن يعرفهن.. وبعد سنتين سمعت خبر طلاقها، وانها تترجاه ليعيدها من اجل طفليها.. نهلة حبيبتي التي لم اتألم لمصيبة بقدر ما تألمت لحالها.. تمنيت ان تسأل عني.. ان تطلب رؤيتي.. ان ترسل لي سلاماً أو تذكر اسمي في مناسبة أو حديث عابر.. لكنها لم تفعل.. وشوقي يتفاقم لرؤيتها حتى قصدت بيت خالي مندفعاً بكل مشاعري وأحاسيسي، وذكريات الطفولة والصبا والشباب تتجسم في مخيلتي.. وبحركة خفيفة من يدي فتحت الباب الخارجي للبيت كما كنت ادخله سابقاً وكأني احد افراد العائلة، لكني سرعان ما فوجئت بنباح الكلب ينساب الى مسامعي، فنظرت على الفور واذا بنهلة تحتضن كلبها وتداعبه كأنه طفل مدلل بين احضانها وهي تتأرجح بين اشجار الحديقة في ارجوحة كبيرة وضعت جانباً، وقبل ان تتأمل عيناي ملامح وجهها أو يلفظ لساني كلمة واحدة هاجمني كلبها بكل وحشية وشراسة وكأني لص نفذ من خلال الباب، تراجعت محاولاً الابتعاد والتخلص منه بكل جهدي فلم استطع، كاد يمزقني لولا تدخل الجيران لمساعدتي فهرولت مبتعداً ونباحه يطرق مسامعي كشتائم العاهر التي غادرت المكان تواً.. ليتك يا نهلة موجودة بيننا وأنا اقول لها:
ـ لا.. بل هو كلبي..!!
ليتك سمعت وشاهدت كيف عز على كرامة عاهر ان يضاجعها كلب.. وانت يا نهلة لم تحرك ساكناً ازاء كلبك وهو يكاد يمزقني بمخالبه وأسنانه.. أحبك يا نهلة برغم كل ما حصل.. لأن الحب هو ما يبقى بعد انتفاء الحاجات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق