الاثنين، 13 أغسطس 2018

جاء العيد ،،،،،،، للشاعرة/فاطمه المغيربي

جاء العيد ... ولم يعد
     تململت في فراشها المهلهل ...جذبت الغطاء حولها .... ولكن النوم جفاها. ..فأدركت من فورها انه الفجر....فقد تعودت أن تقوم في هذه الساعة ...لكن اليوم الديك لم يصح كعادته ...ولا سمعت ثغاء الخرفان خلف البيت ولا صوت الراعي يهش اغنامه وابقاره...صوت وحيد يشنف سمعها منذ فترة طويلة ..انه صوت المطر يعزف على زجاج النوافذ ويطرق سطوح المنازل...كل شيء استسلم للنوم في هذا الفجر الماطر..لكن يجب أن يبزغ الفجر وأن يؤذن الديك وتثغو الشياه   ..ويصيح الراعي وينبح الكلب....يجب أن يستيقظ الجميع..في هذا اليوم بالذات الجميع يستعد للعيد ..."ماذا أعددت للعيد يا محبوبة ؟؟" اين السميد والزيت والسكر والتمر لصنع المقروض ؟؟هي لاتطمع في صنع حلويات اخرى تتفنن الجارات في تصنيفها.. يمكن أن تستغني عنها إلا المقروض فهو عادة من عادات الآباء والأجداد لن تتخلى عنها ....انها مرة في السنة فكيف تحرم عائلتها هذه المتعة السنوية وهي التي تعيش باقي السنة في مرارة الفقر وذل الاحتياج ..كلا وألف كلا..
    نظرت إلى زوجها متنهدة فلاحظت انه مازال يقبع تحت الغطاء الصوفي الوحيد الذي تنشب من أجله المعارك كل ليلة بين أفراد العائلة الستة...معارك تشارك فيها الأرجل والمرافق والرؤوس وترتفع من حين لآخر مهمات التذمر والنشيج. ...كل واحد يطلب نصيبه من هذا الغطاء الذي يكاد يتمزق اربا اربا...
     يجب ان يؤذن الديك وتثغو الشياه ويصبح الراعي وتتيح الكلاب ...يجب أن تفيق من النوم يا زوجي ...همت ان تناديه. .فابتسمت في سرها بم ستناديه فمنذ زواجها من اكثر من ثلاثين سنة لم تنطق مرة واحدة باسمه ولم تناده به ابدا وهو كذلك ...انها تخجل ان تناديه باسمه ...فقد شبت ووجدت امها تخجل من مناداة زوجها باسمه وكانت تكتفي ببعض الاشارات والهمهمات "يا ها"فيفهم على الفور انها تناديه ويرد بالمثل وقد يناديها  "يا مراااا" لم ينطق أي منهما باسم الآخر إلى أن وافاهما  الأجل ...ترى بماذا كانا يتناجيان في خلوتهما. .ولكن أين سيختليان والبيت غرفة واحدة فيها كل شيء المطبخ والنوم والأبناء والضيوف وربما الجد والجدة. ..حتى لحظات اللذة بينهما كانت تمر في صمت وتحفظ كبيرين كالطقوس الدينية ....
         .... إلى الآن لم يحرك ساكنا ولم يبد رغبة في الاستيقاظ ولكن هذا غير ممكن يجب أن تفيق يا هذا ستذهب إلى عملك في الحضيرة هناك في جبل سيدي عبد الرحمان لتأتي باجرة الأسبوع كاملة يجب الا ينقص منها أجرة يوم فأنا أحتاج كل مليم فيها ...يجب أن أستعد للعيد ..انها فرحتي التي انتظرها طيلة سنة .  يجب الا تحرمني هذه المتعة ....لا تتعلل برداءة الطقس فالفصل شتاء وهذا عادي ...انت ابن الريف القوي الذي لا تثنيه العواصف والأمطار عن عمله وكسب قوت عائلته ...صحيح  ..أنك قد كبرت قليلا...لقد جاوزت السبعين بسنين قليلة ولكنك مازلت في عنفوان صحتك ...صحيح أنك مريض ولكن ...أرجوك لا تتعلل بأي حجة فغدا العيد ....مدت يدها لتحركه
...لم يكن نائما ...لقد أحس بها منذ تململت. . لقد أحس بكل ما تشعر به ويقرأ كل ما يجول بخاطرهاولكنه لم يخاطبها لأنه يعرف اصرارها فكلما أرادت شيئا لا يفتر عنادها إلا اذا حصلت عليه فهي وان هزمتها الشيخوخة ورسمت التجاعيد على وجهها النحيل وخضبت شعرها بالشيب  فلن تهزمها حاجه وتعلاته...فهي وان هزمها الفقر ورضيت برث الثياب وقليل الطعام إلا انها لا ترضى أن يهزمها زوجها ويعتمد كبرياءها فقد تعودت أن تهزمه كأنما تنتقم لهزيمتها أمام الفقر والشيخوخة وتعود هو ان ينهزم أمامها اوربما رضي ان تهزمه حبا واشفاقا...
ولكنها تلح ولا تفتر ابدا ...لا تريد أن تعترف انه طعن في السن ولم يعد قادرا على العمل ..هو يحس بالمرارة لأنه طيلة حياته كان يسعى لاسعادها...وكان دوما يمني نفسه ان يعوضها عن ايام الحرمان والشقاء ..ولكن ما باليد حيلة ...الفقر مصارع عنيد لم ينهزم أمامه ابدا...
    لكزته مرة أخرى فلم يجبها. ..يا الا هي كيف يمكنه الوصول إلى جبل سيدي عبد الرحمان...في هذا الطقس...والوادي. ..كيف سيعبره والمياه تغمر الجسر القديم ...ولكن هذا اليوم لا بد أن يذهب ...سيقبض أجرته الأسبوعية سيقبض أيضا ثمن ما باعه من "الملصوقة "لزملايه وبعض متساكني القرى التي يمر بها...كانت ابنته الكبرى تصنعها وتضعها يوميا في علبة معدنية فيقوم بجولة على حرفائه ...لكنه ياسف كثيرا عندما يعده الجميع بان ينقدوه في نهاية الاسبوع  بعد ان يقبضوا اجرة الحضيرة...وكان رغم اسفه يشعر براحة ويمني نفسه بقيمة المبلغ المتجمع في نهاية الاسبوع...سيتمكن من شراء السميد والتمر والزيت والسكر لتصنع محبوبة المقروض المشتهى...
         لما لبس قشابيته كانت هي قد أعدت له علبة الملصوقة ولم تترك له فرصة للتردد  لقد أسرعت الحمار ووقفت والمقود في يدهاوقد رسمت على وجهها عينيها مسحة من الاستعطاف فجمدت الكلمات في حلقه ..
      مد بصره نحو جبل سيدي عبد الرحمان والسحب والأمطار تكاد تحجبه وأحس لأول مرة انه بعيد
جدا ...وأنه يشك في إمكانية وصوله هناك رغم انه أفنى عمره في الصعود إليه والنزول ...لكز الحمار المبلل فتحرك بصعوبة كأنما أحس بما يعتمل في ذهن رفيق دربه فقاسمه تلك التوجسات. ..فسار متثاقلا على غير عادته ...كانت محبوبة تشيعه بنظراتها فالتفت إليها تأملها برهة... ابتسم ومضى  وهي تشجعه ملوحة "ربي معاك"....
     مر ذلك اليوم ثقيلا على محبوبة على غير العادة ...كانت تطيل النظر إلى الجبل الذي عطاه السحاب والغيم والمطر لا يزال يعزف على أوتار قلبها بتوجس فتشعر بانقباض يسد أنفاسها فيتسارع نبضها لكنها تستعيذ بالله من الشيطان ووسوساته"قريبا سيعود ومعه المال الكافي لفرحة العيد وأكثر "
       الظلمت الدنيا كما لم تظلم ابدا وفجأة سمعت محبوبة وقع خطوات الحمار أسرعت إليه ملهوفة لتسال عن سبب تأخره ..ولكن المشهد الجمها  الحمار بدون بردعة مبللا منهكا مرتعد الاوصال ...أين هو إذن ؟؟!!
         تعالى صوتها بالصراخ والعويل ...لطمت ...ندبت...بقدر ما اخرج كل الجيران وجعلهم يتركون دفء بيوتهم في هذا الطقس العاصف المطير...
       تبددت كل الأماني وذهبت في مهب الريح
هب الجميع للبحث هنا وهناك لم يبق صغير او كبير الفاجعة في القرية تجمع كل الناس وحتى المتخاصمين .. تناثرت أضواء الفوانيس والكشافات على ضفاف الوادي وفي كل الاتجاهات الكل يبحث...دون جدوى....
        .... وبعد أسبوع من البحث المتواصل عثرت الفرق المختصة على شيخنا مدفونا في طمي الوادي بجانبه علبة الملصوقة الفارغة ويده منتصبة يمدها نحو السماء....
فاطمة المغيربي 1985

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق