السبت، 18 أغسطس 2018

الفخ ،،،،،،،،، للشاعر/فؤاد حسن محمد

الفخ
أصب الماء بكأسين
استطيع أن أنظر إلى الكأسين بعين واحدة
لكن مستحيل أن أشربهما معا في ذات اللحظة
فجأة استدرنا جميعا عند سماعنا صوت اصطفاق مصيدة الفئران ، لم يمسكه في ذنبه أو في مشط قدمه ، قَدرٌ أن يدق عظم رقبته ، في هذه اللحظة لا يستطيع المرء إلا أن يفكر في القدر.
أنت لا تستطيع أن تتخيل كيف تقلص وجهي دهشة حين ظهر الفأر مسجيا على خشبة المصيدة ، ذراعان مقوستان على جسم مسترخي ،و ساقاه تراجعت ممدودتان إلى الخلف ، والذباب يتزاحم على بقعة دمه اللزجة ،تنفخ في وجهي بشاعة المنظر والرائحة ،سيهترئ سروالي من كثرة الجلوس مقرفصا وأنا أتأمل خياله يتماوج على خشبة المصيدة الملساء ، أفكر بغبطة :
لولا قطعة السمك المملحة والمدهونة بالزيت لما انتصرنا .
فيما أنا أتواسى في ابنيّ الأول الذي بترت قدميه أم في الثاني الذي فقد بصره ،أقترب الأول متحاملا على عكازية ، فيما الثاني اقترب متحسسا الجدار :
- إن متعتي في قتل فأر تعادل قتل واحد منهم
- أف رائحته لا تعجبني .....أقذف به خارج البيت .
ليس للإنسان حق باستخدام أنفه في الروائح الكريهة ،قلت لهما:
-هذه ليست المرة الأولى أقتل فأرا لكنها المرة الأولى التي أصرخ فيها .
وقف ابني الأعمى ينظر عبر الزجاج المغبش للنافذة ، يرسل إشارات سمعية بدقة وإتقان تكمل اتحاد ظلمتين في واحدة،قال لي:
- الحيوان أما أن تستأنسه أو يستأنسك .
ابني الأول الذي بترت قدميه ،وضع عكازيه ببطء وهدوء وجلس على الخوان ، في حنجرته خواء ،عيناه ساكنتان وهذا يعني أنه لا يريد الشروع في التفكير ، راضيا بمصيبته وبذلك لم يثر صخبا ، لقد غير محطة التلفزيون غيرعابئ بما حدث ،قال:
-إن الفئران أكثر الحيوانات سعادة ؟؟؟؟
قال الأعمى :
- كيف
- حياتها سرية ومليئة بالمغامرة ، تقتلها لكنها تهزمك . ..ذكية ... تعتبر أقصر مسافة بين نقطتين الخط المتعرج وليس المستقيم
. خبط الأعمى كف بكف : "يتفلسف الأخ "
سكنت ارتعاشته ، أطل برأسه من شق المراقبة ، ،تراجع عن مصمصة شفاهه ، وعندما عرف ما يجري،تابع قرض فتات الكعك ، سمع الأعمى من تحت أجفانه خربشة في خزانة الملابس،تكشف هي الأخرى وجود فأر ، الفأر صار فلكا تدور به أوهام العقل ، شاهد كل ذلك من تحت جفنيه وابتسم .
نطق الفأر بأسمائنا من وراء باب الخزانة :
- أنت ياصاحب العينين الميتتين .....أنت ياصاحب القدمين الميتتين ...أنت أيها العجوز الأخرق
نظرنا الى بعضنا كما لو أننا نتعرف على بعضنا أول مرة ،لم نتكلم ، صعقنا النداء ظننا أنه شبح وكنا نتسائل بكلمات مقتضبة ،غامرت بإرسال نظرة أخرى إلى المصيدة ،شاهدت المزيد من النمل والذباب تزحف ارتالا آتية صوبه ، مدفوعة بتيار غريزي آت من الهواء والأرض بان معا ،إنه العالم بشكله الصادق . في لمح البصر حدث شيء لم أتوقعه ، إن كنت مؤمنا فيجب أن تصدق بالخوارق ، انقسم الفأر قسمين ، واحد ركض مسرعا الى خزانة الملابس ، والثاني بقي مكوما ينظر إليَّ نظرة دموي .
فؤاد حسن محمد- جبلة -سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق