🕸المشهد الأخير🕸
انتهت حكاية من أحلى الحكايا...قصة حبّ واراها التراب بيديه و وضع إكليلا من الحزن على قبرها و وشم تاريخها على المرايا... قصّة جمع حروفها من مخيلته و مزج لها إكسيرا ليحييها و يبث فيها الروح لتحيا فيحيا... كتب و نسج و حبك للأبطال سبيلا للتلاقي و قال ما الضّير في أن يعيد الحياة لحب كان محكوما عليه بالموت منذ البداية...
كان عُمَرُ كاتبا و بطلا في مسرحية سيئة الإخراج و حاول أن يتقن دوره بامتياز... كتب القصائد لعينيها و قبّل جبينها كل صباح و غنّى لها أحلى الأغاني و أعذبها "يا من هواه... أعزه و أذلني... كيف السبيل إلى وصالك دلني... أنت الذي حلّفتني و حلفت لي... و حلفت أنك لا تخون فخنتني"... حدّثها المسكين بما كتم منذ زمن أغبر من عمره القاحل و سنواته الجافة جفاف الصحراء عساه يروي ضمأ شفتيه الجبانة... شفتاه اللتان عجزتا عن رصف الكلمات و لم تبوحا بما يختلج صدره... أحمق و غبيّ... ربّما... لا يهمّ... فقد أخبرها اليوم و هو ثمل بعينيها أنه أحبها و عشق كل شيء فيها... ضحكها و حمقها و بلادتها و بلاهتها... عشق صوتها المتغنّج حين تصحو من النوم... و عشق ذبول عينيها و هي ترمقه من وراء حجاب... و لكن... كل كلماته كانت شاحبة و لم تحرّك فيها سوى النزر القليل من حنين لزمن ولّى و مضى... لم تصدّه... و لكنها...
ألغى دوره من الحكاية و ترك بطلته تحدثه عنها... كلما تكلمت كلما ازداد جنونا و حيرة... لماذا؟؟ لمَ أخرج حكايته من قبرها و نفض عنها تراب الزمن؟؟؟ لمَ غرسها في قلبه من جديد لتحيا حتى أزهرت بلا رائحة؟؟ كان كلامها يسقيه حبا... يكبر العشق بين جنبيه... فيغمغم لها بين الحين و الآخر "أغار عليها من أبيها و أمها... إذا حدثاها بالكلام المغمغم و أحسد كاسات يقبلن ثغرها..." و كان مع كل كلمة و أغنية ينبض الحلم فيغدو نجوما تضيء سماءه المظلمة...
جفّت صحيفته... و رفع القلم قبل الفصل الأخير و استفاق... استغرقه الفعل طويلا حتى جمع كلمات النهاية للمشهد الأخير... إنتهت الأفراح و سكتت شهرزاده عن الكلام المباح... عذرا يا مجنوني لن أكون بطلة في قصتك فهي لا تعنيني...
و توقف عدّاد الزمن... تشابكت كل الألوان فتقيأت أسودا... تمازجت الفصول و قدّمت له عصارتها خريفا جافا لا غمام فيه و لا مطر... أرض جدباء لا تزهر و لا تثمر... أفاق على أصوات و جلبة لم يفهم كنهها... بدأت الأصوات تقترب من أذنه... أنين و نحيب... نظر حوله... جسم مسجّى في الغرفة مغطّى بلحاف أبيض... يبدو ساكنا لا حراك فيه و لا حياة... تفرّس في الوجوه... تناهى إلي مسامعه صوت منزو متحشرج... "لم رحلت؟؟ وعدتني أن تظل جانبي و تكون سندي... من يكفكف عبراتي بعدك؟؟"... كان المكان مظلما فلم يتبيّن وجه صاحبة الصوت... في آخر الرواق صوت آخر يناديه :"تعال أقبل و لا تخف"... خلف الصوت انفتح باب و برز نور ساطع يخرّ له البصر... تقدّم نحوه يستكشفه... سرت قشعريرة فزع في جسده و ألمّ به خوف رهيب... هل أزف موعد الرحيل الآن؟؟ إنتهى مشواره و سيبدأ مشوار جديد قد ينتهي معه ألم قلبه ويبدأ ألم روحه... تقدّم... و غادر...
🍁عماد الشابي... القيروان🍁
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق