الأحد، 16 سبتمبر 2018

القدس ،،،،،،، للشاعر/ عبد الباري الصوفي

القُدسُ....

بَدَأَتۡ جِرَاحاتٌ جَدِيدۃ
تُدمِي على جَسدِي  وَتُهلِكُ قُوَّتِي
لَن نَستَطِيعَ عِلاجَها أبدًا ..
ولَن يَجِدَ الشِّفاءُ لهَا طَرِيق
حتَّى الطَّبِيبُ تَمَلمَلَ
عَن جِرَاحاتٍ كَثِيرَۃ
رُغمَ الأنِينِ
رُغمَ التَّوَجُّع في سُبَاتِي
أَرَقٌ يُرَاوِدُنِي سِنِين ....
لا الصَّوت يُزعِجُ شَأنهُم
عِندَ التَّألُم والبُكَاء ..
كلا..
ولا حتَّى تَشَوُّه هَامِتي
بَعَثَتۡ لنَا رَجُل رَحِيم..

أنَا طُهرَةٌ وُجِدَتْ بِهذَ الكَون
خُلِقَت بِلا رَحِمٍ
ولاَ أُم تَزَوَّجَ بَعلُها
من رَقصَةٍ شَرقِيَّةٍ أو طَبخَةٍ غَربِيَّةٍ
لمْ تَدْرِ أيْنَ أبَاهَا ضاع .

أنا قِبْلَةٌ للمُسلِمِين
رَفَعَتْ  جِبَاه القَومِ
أعوَامًا  .. وأسْفَارا .. وأدهَارا
إلىٰ جَنَّاتِ رَبِّ العَالمِين

أنا هَامَةٌ كُتِبَتْ عَليْها رِسَالةُ التَّارِيخ
تُعَانِقُ مُهجَتِي سُحُبَ السَّماءِ..
أنا لستُ دُستُورا تُغَيِّرُني الأنامِل
أو حَبل طُوقٍ ضَاعَ
عِقْدُهُ في السَّريرِ ..
أنا لستُ رقًّا كَي أُبَاعَ
رقِيقَةً يَحْزَنْ لهَا حَتَّى العَبِيد
أنا آيةٌ تُتْلَىٰ كثِيرا في أساطِيرِ السَّماءِ
أنا لستُ حُبلَى كي يُعَايِرُنِي السَّفِيه .

القُدسُ تَقدِيسٌ من الرَّحمنِ
سَطَّرها با الإنجيلِ.. والتَّوراةِ والفُرقانِ
القدسُ ناصِيةٌ على أبوَاب جَنَّتنا
نُقبِّلُ وجْهَها جَهرا
ونحفَظُ إسمُها دَهرا 
ونَتلُوها مَعَانٍ تُرجِمَتْ
صَفَحاتُها البَيضَاء في كُل العُصُورِ .

أنا مَن تُقاسِم شَمسَ دُنيَانا
ضِياءَهَا كُلّ يوم 
أمَلٌ أشَاطِرُ حِلمَهُ
وأصِيغُ من جنَبَاتِه حُبًّا
أُقَسِّمُهُ لكُلِّ رضِيع ...
أُغَلِّقُ كُلّ نافِذةٍ
إذا جَنَّ الظلام لعلَّىٰ
طِفل الأم يَغْفُو لحظَةً في حُضنِها
وينامُ ذاك الشَّيخ من تعبِ النهارِ ..

أنا لستُ منْ حَكمَ المقَابِرَ بالعصَى
أو بَعْتُ أورَاقِي بِبَخسِ دَرَاهِمٍ
تُحْكَىٰ على الأجيالِ وَصْمَة عارٍ ..
فسِياسَتِي ليسَت شِراء
وإدارَتِي ليسَت حَماقَاتٍ
ولُبْسِي ليس حُكمًا وغَباء
أنا إسمِي صِدقًا ليسَ تزوِيرا
وفِكرِي ليس جَهلا أو ولَاء
فالقُدسُ قَبل الأرضِ
تأريخًا تُعَانِقُه السَّماء ..

لكن لماذا الوهنُ
والخَوفُ المَرير  ...!
هل أشتَكِي لغرِيبِ قَومٍ غُرَباء
كي يَنقُذُونِي من طَواغِيتِ الظَّلام
هُم يأخُذو منِّي حَيائِى جَهرة
سَحَبُو الحِجَاب ...
أخذُو الكِسَاء ...
بَدأو بتَمزِيقِ اللبَّاس ...
وضَعُو قَرارًا نصُّهُ أنِّي أسِير
................
وفي مَسَاءٍ كُله حُزْنٌ كئِيبٌ ..
وضَعُو القُيودَ على يدِي
سَجَّانُهُم شَيطَانُ بُؤْسٍ عَربِي
تَتَلكأُ الكَلِماتُ منهُ
فلَستُ أدرِي ما يقُولُ ..
مَفهُومُ لهجَتِهِ بأنَّ لِى زُوَّار
من حَانُوت جَاري قَادِمُون
وشُيوخُ من أسلَافِ أجدَادِي
وصَاحِبُ خُضرَةٍ
وَرَأيتُ طِفلاً كُلهُ حُزْنٌ 
ودمْعَتُ حُزنِهِ وشْمٌ
على خَدَّيهِ من طُولِ البُكَاءِ
لفُقد عَائلةٍ تَشَتَّتَ عَيشُهَا
في عُمْقِ مَقبِرةٍ بِحَيٍ في الجُوارِ

ضَهَرتْ على وجْهِي ملامِحُ فَرحةٍ
أنِّي رَأيتُ الشَّيخ يَذكُرُنِي
وذاك العَامِل المِسكِين
وهذا الطِّفل .. 
ياشيخ أين أخي ..
أين أبي ..
وأين الأهلُ والأحبابُ ..
ماذا دهَاكَ ... أجِبنِي ...

هل ماتُوا جمِيعا ..قل لي ..
وأين رئِيس أُمَّتِنا ..
وصاحِبُ قِسم شُرطَتِنا
وأين إمامُ مَسجِدِنا ..
وذاك الجيشُ والسُّلطان ..
      ياشيخُ قُل لِي ..

وبدأتُ أمسَحَ دمعتِي ...
وأهُزُّ شَيخٌ صَمتُهُ حُزنٌ عَميقٌ
يا أيُّها البَقَّالُ قُل لِى
بل أنت .. أو أنت ....
طِفلِي العزِيز لم يَبقَى إلَّا أنت ...
ماحلَّ بِالقومِ الذِينَ تجمَّعُوا
يوما عَلى الأعدَاء ..
أهلِى وقومِي وكُلّ عشِيرَتِي
لَم يُعطِنِي لَفظا ..
أو حتَّي أصدرَ من ثنَايَاه خِطَابٌ ...
شَيطانُ سِجنِي
أنۡهَ وَقتَ زِيارَتِي
مع أنِّي لم أجِدَ الجَوابُ ...
.............................
فسمِعتُ صَوتًا خَافِتا
هُم ليسُو أحياء ولا أموَات
هُم يَسكُنُون.. لكن .. قُصُور بِغاء
هُم يلبَسُون .. ثيابُ خَائنةِ العَراءِ
هُم ياكُلُون .. لُحُومُهم صُبح مَساء
هُم يَشربُون .. شَرابٌ كُله دَمُّ الفِدَاء
لا تقلقِي .. عَن كَونُ وُحدَتِهِم
قُطِعَتْ أصَابِعُهُم ..
وبَعْدُ أكُفِّهِم ..
والمِعْصَم البَاقِي لحِين يَشاءُ ..

الجيشُ ...صارَ يُحرِّرُ البُلدانَ
من سُكَّانِها عَمدا
ويَقصِفُ جوَّهُم كلّ البِنَاء
والعِلمُ .. زادَ عَطاؤُهُ خيرا
وزادة بسْطَتُ العِلمِ هنَاء ...
العِلمُ أنْ يُصبِح جَمِيعُ شبَابَنا
ما بينَ غاوٍ وسِمسَارٍ ورقَّاصٍ
وأنْ يُعطَی لهم  كُل العَناء ...
لا تقلقِي ياقُدسُ
هذا وضعنَا
فالأسْرُ عِندكِ رَاحةٌ
من سِجنِنا وهَوانِنا
وتمَزُّقُ الآهَات في أكبَادنا ..
.........................
لكِن .. حَذَارِي أن ننَام ..
فسَوَادُ هذا الليْل يَجلِيه الصَّباح ...
والبَذرُ حينَ يموتُ في قدحٍ
يُعاوَدُ غَرسَهُ فيُحيِي بلدةً ميْتا ..
وجِراحُنا تُكوَى ويعلُو صَوتُنا ألماً
لكنَّها بعد العنَاء تطِيبُ ..
والظُّلمُ أحيَانا يسُودُ عُروشِنا
لكنَّ أيَّاما.. تراهُ يزولُ ...

يا قدسُ ..
قد يأتِي زمانٌ كلُّه أملٌ
يوزِّعُ خيرُه طُعْماً
فيَأتِي النَّاسَ حُرِّيةً
تُغذِّي كُلُّ مُرضِعةٍ
فتُرضِعُ منهُ أجيَالًا وأجيَالٌ 
ويُصبِحَ حُلم الأمسِ ..
نُورُ الغَدِّ ..
فتُشرِقُ شمسُنا حُبًّا بكلِّ سماءٍ  ..

✒عبدالباري الصوفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق