"النخيل " عندما تضنى المناخات ..
أو " رامشيل " مراكب الشمس لاتأتى ليلاً..
الى أم السودانين " ربيكا دى مبيور " أين ما كانت ..
" تمنيت أن أعيش طويلا لأحبك أكثر ولكن الأقدار منحتني فرصة الشهادة قبلك , لتكون انت المطالب بحبي وبتحمل غيابي ..
" وأسيني الأعرج "
-1-
.. حقيقى لم يتغير شئ بتاتاً مما تأملين , يا " نجلاء " ومنذ غيابك أنت الفاعل فينا , لا من قريب أو بعيد بل مازلنا نتوحد أنا وهى دائماً , والصمت المريب أضحى ثالثنا .. , كم تعتصرنى الحيرة والملل المشوب بطعم الحسرة , لفقدك أنت حقيقة بيننا .., وأمامى جملة تناقضاتى الذاتية المبهمة كلها , والغير مؤسسة بتاتاً على كل ما يدور من حولنا .. , بل فى صمت أتسأل الآن وبملء أرادتى وقناعتى , هل هناك شئ أخر فى رايك يضمنا سوياً .. وفى كل هذا البيت الكبير !؟ خصوصاً بعد غيابك أنت .. الذهانى المفاجئ بيننا , غير الوحدة والهم حد الوجع , بعنف وتحدى مزهلين أجتر الان وبكل ثقة حكمة " طاغور " والتى لم اهملها أبدا , وحينما يقول معزياً نفسة والجميع " .. بيتنا ياسادة كبير .. وما يضيع فيه لايمكن العثور عليه ابداً .. " .
لا أدرى الان كيف يتمحور أمام ناظرى هكذا , كل الأضداد المحتملين جداً .. فى مثل هذة الظروف بالذات , والذين يقفون وكما أتوهم ضدى صفاً واحدا , أو كبنيان مرصوص ليفلوا بالتأكيد من أرادتى وعزمى ولينهشوا صراحة , وبذات المستوى الفلسفى المتحزلق .. تحزلق البنيويون الجدد , مستوى الامان الهش اصلاً بيننا , هذا الشعور العدمى يغالبنى ومنذ البارحة , وأنوء ووطئة الثقيل وحقيقة وضعة هو الاخر , كضيف أو شريك غير مفهوم أو جدير بالثقة بيننا طلاقا بالطبع , ..أنا .. وهى .. .
أصرخ بلا صوت منذ البارحة .. يا " نجلاء " ولا من سميع أو مغيث حتى , بل يزداد توحدنا بالذات هذه الليلة الشاتئة , الخالية الوفاض والجدوى تماما والموبوءة عن أخرها بالانتظار الممل , وزخات البرد المرعبة .. والاتربة العالقة والغمام , ثم لوحدك تدركين الآن فقط حجم تصورى وتوهمى , وفقدى وكنه ما أعنية جيدا يا " نجلاء " , وعندما أصارحك على غير المألوف , وفى أى يوم كان .. وأقول لك بأن ليل " أمدر " , الحالم الولوف حد العشق , تحول حقيقة بيننا الى كابوس .. كابوس آخر , ممقوت ولاتحدة بالاحرى أدنى حدود أو أى أبعاد , أو أى شيئ أخر تتخيلينة .. " .
بل شيئ أخر حتى أود أن أقولة لك صراحة , " .. لاتصدقى شئ أبدا .. من زعم كل هؤلاءالعزال , خصوصاً شلة الاهلية والتقانة .., فنحن صراحة ما زلنا نفترش الأحزان بالليالى الطوال , على غيابك أنت الفاعل فينا ورحيل أبوى " أب كريك " المفاجئ , أما مسألة غدر النيل هذا العام بأرصفة " الموردة " و" أبوعنجة " , وحتى كرنك العم " أبو الجوخ " فأضحى بالطبع شيئ من قبيل المسلمات , ومحتمل جداً أذا لم يهبوا لنجدتنا هبت رجل واحد , مازالت تطفر فى خاطرى تفاصيل الحرب البشعة , وأشياء أخرى مبهمة مثل حصار المدن وأنسحاب الحاميات , تصورى حتى صدى توديع الصنادل والجرارات , البارحة أضحى فى ذاكرتى المتعبة والمشوشة , مجرد سراب ووهم ليس إلا , رغم سطوة الاهازيج الجهادية والخطى العسكرية الصارمة , أنهم صراحة يشعلونها بيننا حرب لاتزر ولاتبقى.., ويتوعدون وفى كل مجابهة وأخرى .. اذا عدتم نعد .
" هل نسيتى فى أىيوم كان ؟؟ , أحبتنا رفقة الرحلة النيلية يوم أن ترنمت على مرمى حجر , الخالة " فوق قلوبن " و بغنج تحسد عليه تلك الليلة بالذات , وعلى مسمع ومرأى الجميع وفى بلاط حاضرة السلطنة السنارية .. , " جوبا مالك عليا .. وجوبا شلتى عينى .. " فجوبا التى تعنى فى الماضى لم تعد " جوبا " واحدة , فهناك أذا لم تعلمى.. " جوبا " فى " راجا " .. , وواحدة فى " كسلا " , وأخرى الان فى "دارفور " العزيزة أضحت هى وحدها الآن , صراحة هاجس أكبر فى نفوسنا وذاكرتنا الجمعية , ننوم ونصحو عليها .
" أما هاجس عودتهم سالمين , وعودة أبن عمى " أواب " من المتحركات , مازالت ماثلة أمام أعيننا كالحلم المستحيل , طال انتظارها يا " نجلاء " لمثل فرحى الشؤوم , والمنذور أصلاً للحزن والاسى وهم حقيقة ما زالوا حتى الآن , وفى مجالسهم القبلية الخاصة فى " سرف سعيد " , يقسمون دائماً وعلى مسمع منى أنا بالذات , وباغلظ الايمان بأن فرحى لن يتم أبدا .. بدون عودته هو , فالكبار وحتى الاوصياء عقد لهم ود " مهدينا " الإمام , فى الرجبية الفائتة عقد مشهودا , بالقبة يقولون ببركتة لن ينفرط وثاقه أبداً , بل ومع سذاجة وغرابة أنتظارى وأذعانى لتصاريف الدهر والأيام , مازالت تتجسم أمام مخيلتى صرامة أبوى " أب كريك " وأصرارة , على أن خير البر عاجلة ووعدة وتعصبة الممقوت , والغير مبرر لأبن عمى " أواب " وحده دونهم كلهم , المبهم لى أصلاً والغامض , غموض هذا الليل الكالح البهيم , صراحة بدأت تحاصرنى منذ البارحة , وعيناها المنطفئتان أزدرد الصبر أود لو ألوكة , مذاقة حنظلى أكثر مما أتصور, بل أتأفف ومازلت لياتى صوتها الذى يسكننى , ليغزونى حتى الوجع ثم تهتف ذاك المساء الليلكى اللون .., المجبول للحزن لا للفرح ولأول مرة :
ـ ".. النخيل .. النخيل بنيتى ..؟ " , وعندما لا ألتفت اليها أصلا أو بالأحرى أفشل حتى .. فى أجابتها , وهى وأحقاقا للحق لم تعد ومنذ البارحة , تنتظر منى أجابة واحدة محددة , تشفى غليلها ولكنها رغما عن ذلك مازالت تسأل بأصرار وبعناد واضح :
ـ " .. لسع سارحة .. ثم سارحة وين ..؟ ولى بتين ..؟ , طمئنينى يا بنتى .. الله يطمئنك .. " , لتواصل :
ـ " ثم ثانياً .. وأذا قلنا سارحة ..
ـ " سمح سارحة فوق كم ؟ .. وفى شنوا؟ ! ..
ـ " ولا كمان .. يا بنتى ودرنا خلاص .. وسرحنا يا كافى المحن .. مرة واحدة .. وبغنم أبليس ..اا " , بل أرتعب وهى تعصف غاضبة مذمجرة تندب حظى وربما حظها العاثر :
ـ " .. قالوا سعدك يانافلة .. جابت العرب جافلة ؟ا ".. .
تهدر داخلها " .. صدقينى عدت لاأحتمل بالمرة , مثل هذا العصف بل أرتعب حتى أخمص أرجلى , وأنا أحاول بيأس أن أخفى أو أطرد عن نفسى , شبه مرعبة كهذة بالطبع شبهة شرودى الطويل وسرحانى الاطول , والمفاجئ والمربك معاً , حتى صوتها المنذور دائماً للهم حد الوجع , عاد يغزونى .. يسكننى وتخوم ذاكرتى المتعبة والمجهدة والخربة , بل أن صوتها صراحة لم يعد يأتى بعفوية وسذاجة , كما الفته بل عاد يأتى مبطنا بالسخرية والوخز والقصد .
".. " النخيل " بالطبع هناك أشياء عالقة فى الذاكرة , الآن أعرفها بوضوح أكثر مما تتوقعين , بل وأعرف حتى حقيقة وضعك الحائر بالضبط , حتى كل مساءاتك التى أضحت مؤبوءة عن آخرها بشبح الوحدة والوحشة والترقب , مثلى تماماً تعدين حبيبات ذاك العقد البعيد , من النجوم وكأنك تؤدين لوتقتصدين يارائعه الدنيا وحسناء الزمان , بعض مهرك الغالى والذى تراق دونه الدماء , وتنزف القلوب ألم ولوعة بل تلتفين دائماً حول نفسك كحية رقطاء , أو حتى كعقرب رمل برئ , تتوجسين حقيقة للسائقين كلهم الطريق , وفى ذهنك طريق " راجا " وطريق " هجليج " , أو ربما الى أبعد من ذلك طريق " أبيى " نفسها .
" حتى أندادك بالامس , أخالهم اليوم يبحثون عنك بجد , فلايجدونك بينهم .. فهم بجهلهم وسذاجتهم , لم يستوعبوا حتى اللحظة حقيقة أننا بدأنا نكبر, بل أن بعضهم مازال يتوهم بأنك مازلت .. , " الحب لمن لا حب لة .. والحلم لمن لا حلم لة .. والنسمة عندما تضنى المناخات.. " .
-2-
" .. " النخيل " بربك قول لى الحقيقة ؟ .. ماذا تنشدين من كل هذا الانتظار الممل والممقوت ؟ , والذى يضعضعك يوماً بعد أخر , هل تودين الآن فقط تبديل جلدك القديم بآخر جديد ؟ أم أضحيتى تتربصين لهم كلهم الطريق واحداً واحداً ..؟ , خلسة أتصورك ذاك اليوم تتحدثين لة هو وحدة , ومن تلافيف ذاكرتك المثقوبة والمجهدة , تنزفين داخلك بيأس وقنوط تهتفين , ولامجيب ولا وجيع .
" ثم الم أقول لك صراحة قبلها , بأنها أضحت هكذا حائرة , لاتنتظر منى وفى كل مرة إجابة واحدة محددة , تشفى غليلها ولكنها رغماً عن كل ذلك كانت تسأل .. وتسأل باستمرار , بل ولديها رغبة عارمة لتسأل بكل حدة وإصرار , وكلما أكتشفت شبهة توهانى الدائم , وشرودى الطويل والمفاجئ والمحير .
" .. ثم أين أنت بالضبط ؟ , هل أصبحتى وهم كبير فى الخاطر لافكاك منه ؟ , أم أصبحتى كقدر مكتوب حقيقة تستعفين منة .." .
منذ البارحة وأنا استغرب ؟ كيف يتحول هكذا وبحربائية مخلة من الجرح حد النزف , ومن النزف حد الجرح ومن النقيض للنقيض .. " , بل تودين لوتعتصرين منة الحقيقة التائهة , تودين لو تهزينة بكلتا يديك الضعيفتين , وبعنف عساه أن يفيق , بل تهدرين الان داخلك كالموج العاصف , وهدأت الليل أعرفها كم هى مسيسه داخلك , ولكن لا مجيب صراحة ولاسميع .
" .. صدقنى صعب يا أنت .. , وحتى ولو.. وفى مثل هذة الظروف بالذات , أن تطلب منى أشياء من قبيل المستحيلات , صعب أن تطلب منى بفجاجة وعدم مسئولية , مثلا أن انزع عنها مجرد حقها حتى فى السؤال " , بمرارة تصرخ :
ـ " صدقنى هذا الذى تلح فى طلبة منى , مستحيل وصعب مادمت أنا وهذا السرحان والتوهان المخل سيان " , سرحت لبرهة أخرى وهى تتمدد بعيداً ساهمة شاردة تجتر الهم , " النخيل " حقيقى تتمدين الآن وأنطفاءات اللحظة الوجع , حيث كان الليل بطعم نجمة زاهرة ضيعتها القوافل , بل كان المطر والرعد يزمجر بارتعاب وهدات تفاتيش " عد الغزلان " , والليل فى أولة , والزراعات عطشى مزاقها مر حنظلى , كنت أمامة أمراة أخرى مختلفة وجلة مرتعبة متذبذة , كما لم تكونى فى أى يوم من قبل , وأنت لاتصدقى همسة الذى يأتيك الان كوعد ولغز محير , " النخيل " أصدقينى القول قريباً ستضع الحرب اوزارها , وقريباً جداً سنتوحد أنا وأنت وبس .. فى عشنا الحلم .. , " النخيل " هذا وعد ووعد الحر دين عليه.. " .
ثم مضى يومها ولم ينقضى .. , وأنت تهدرين داخلك بلا هدأة تعصف مراجلك , وبالشهور الطوال وكالبحر الصاخب , وتمرد الارصفة الصلدة وبداخلك عواصف , لاتهداء بل ولاتحصى ولاتعد , تنزفين الذكرى والحلم والوعد , الذى مضى كالسراب من بين يديك , هو الآخر أخذوة ذات مساء من شوارع الخرطوم , مجنداً بلواء الردع , أو الانفال أو جيش الحبيب " أحمد فضيل " , لا فرق فعودتة هو الآخر من الشرق للبقعة, أضحى مجرد وهم وخيال ليس إلا .. , تهبين هذة المرة بالذات فزعة مذعورة , تعترضينة وكابوسة المزرئ , وبعرض برحات كرنك العم " أبو الجوخ " الرحبة .., تتوددين تتزلفين الية منذ البارحة ولا مجيب , تكاتبية عنوة " الان أحساسى الصادق بأن ثمة زحام ما .. , بل ثمة ضباب ما يتخطفك فى عينى .. , حتى وعودك الاولى الوردية أضحت اليوم ضبابية , بل ومعتمة بالله هل هذا يعقل ..؟ , تقول لى بكل أستهتار .., زوبى الم مبرح كهذا فى .. زوايا الكتمان , " .. شهران بالتمام والكمال وهذاالثالث على الابواب .. , ورشح دواخلى عاد مسموع .. , ثم أنت بالذات تدرك المسلمات .. , التى لا يمكن لى أنا بالذات .. أو أى أحد كان أن يتخطاها أبدا .. " , بل وهنا بالطبع فقط تظهر لكم , وفى أن واحد كم هى طيبة قريتى , وكم هى قاسية .. بل حتى , وبالامس وفى ظهيرة قائظة مكتئبة , تمددت هى والألم بقسوة على حضور الهأزى .. , خرجت لأول مرة يا " نجلاء " , من طورى صرخت فى حضورها رغماً عنى , وأنا أستعوذ قلت :
ـ " أمى أنا أعرف كل شيئ .. , وأعرف حقك على بل حملتينى , ..وهنا على وهن وفصامى فى عامان .. , ولكن أستميحك عزرا أن لا تتمددى على دواخلى , وبكل هذا التشويش والذئبقية .. , فتيار دواخلى لو مدت أسلاكة لصعقت الدنيا وما فيها .. " .
-3-
بتحدى وقسوة ينمو الليل من حولنا , وشبهة توهانى وشرودى المربكة والمحيرة , الان تستطيل بل وتتمحور داخلى .., أستقبل دائماً وجهها الشامخ كقمم " الاماتونج " , وقسماتها المتحدية الصارمة هذة المرة , تصدنى وحزيمات السعف والجريد والتى تجدلها , ليلاً ونهاراً حبالاً وأكوام من المباسط والسلال المرتصة .., تطالعنى يا " نجلاء " وعيناها المنطفئتان , واللتان لم ترانى بهما أبدا , ثم تطفر فى مخيلتى فجاءة أيام تألقى الأفلة , وتطلعى التى ولت الى ما لا نهاية , أيام مشاداتها الكلامية مع جارتنا " فاطمة بت المكاوى " , وكيل السفريات والتراحيل وهى تلح فى طلب ودى , وإلحاحها الشديد لطلب يدى لأبنها " نايل " وكيل بتروناس , ومداهنتها لى حتى الثمالة عندما كانت تشكرنى أمامها وبسخاء :
ـ " النخيل " يا " حاجة " , ويمين باللة والذى لا الة الا هو .. , وما طالبانى حليفة .. , مازينة بنات الفريق على حدهن منوا الزيها ؟ , ما جمال وأدب ورزانة .. , ولو شوفتيها يا "حاجة " لسرى الضوء مسربل بين حدقتيك ولارتد اليك بصرك الكفيف " , بل بتلطف وتصنع كانت تجاريها فى ما ذهبت الية , وبلين عريكة أيضا كانت تخبرها وبردها الجازم والقاطع :
ـ " نحن زى " نايل " فارس " أم بخوت " كلها , ما بنبدلة بأى كائنا من كان يا "مكة " وقربكم لينا , واللة شرف كبير وعظيم , ولكن " النخيل " وزى ماعارفها خاتيها أبوها الله يرحموا , من صغيرة لود عمها " أواب " الفى الجنوب وعرسها خلاص قرب , إن شاء الله فى العيد الكبير البهل علينا دا " , ثم تلتفت لى مستفهمة ومتسألة " .. ولاشنوا يا .." النخيل " ؟؟ .
تهدرين داخلك تعصف مراجلك , تتساءلين بمرارة والم :
ـ " لماذا أنا ولماذ أنت ..؟ بالذات كاتمة أسرارى دأئماً وأبداً , وسؤالك المتخصر ألم ولوعة , ثم لماذا كل هذا الانتظار الطويل والحرب الأطول ؟, والتى يستعر أوارها ولامنتصر ولا منهزم يلوح " بل أحتار والحصار الدولى الغير معلن .. , وسقوط المدن وحصارها وحصار كلماتها هى الاخرى , وحبيبات العرق تتسربل وأنا أنزف ألم وحسرة يستدعينى الخواء , وأنا ساهمة يطالعنى فجاءة وجهها الشامخ فى السماء كنصل السيف , ياتينى صوتها يهدر :
ـ " النخيل " بنيتى , قول لى إلى متى وأنت ساهمة بعيداً عنا هكذا وبالشهور الطوال ؟؟ " , صوتها الواهن يهتف بارتعاب ودهشة داخلى " بل ها هى تكتشف تهمة توهانى وسرحانى , المحيرة المرة تلوا ألاخرى .. بل ربما تريد أن تذهب إلى مدى أبعد من ذلك كلة .
أتكوم حول نفسى كحاجز صد , يعتصرنى الوجع والخواء والألم , أتعجب لضعفى وهوانى ..أتهكم داخلى :
ـ " ها أنت ترتعدين من سؤال برئ كهذا .. , ماذا تفعلين غداً عندما تدهمك دفعه واحدة الاسئلة اللغز.. ؟ا "
تهبين واقفة بأصرار وقبل كل مغيب كعادتك , وكل ما تجدد داخلك ولو نزرا يسير من أمل عودته , بجراءة غير عادية كنت تسرعين بخطاك الواهنة والوجلة , تجاة مشرع ومرسى وأبورات " أم بخوت " عسى ولعل , وعلى أمشاط أرجلك هذة المرة تتسللين خلسة , لياتى صوت امك المتيقظ المصادم , كما الذى يحيل بينك وبين الخروج , تهتف :
ـ " النخيل " إلى أين وقد ذهب المغيب وأرخى الليل سدوله ؟ .. , تختبين وراء كلماتك المتزلفة :
ـ " أمى " سأذهب للمشرع فالنواتية والصيادين, يشيعون منذ البارحة بالبشر ويقولون بأن عدة دفعات ستعود اليوم من العمليات .. " , ترد عليها بضجر وغيظ :
ـ وصيتى لك دائماً ومازالت ".. مراكب الشمس لاتأتى أبداً ليلاً .. " , تود لو تسترسل ولكن وياللغرابة , صوتها يأتى مهادناً وكانة يعطيها فسحة من الامل المرجوة :
ـ " أذهبى أنت وأخوك " حامد " ولا تتأخرون .. " .
-4-
تحاول بالكاد أن تنفس الصعداء , وتخرج متأبطة أخيها ترخى أذنها بعيدا بعيدا .. , عسى ولعل أن يغشاها ولو نزر قليل من أحاديث النواتية والسماكة وإجاباتهم الطازجة والقاطعة , والمتبادلة بالطبع مع سيل السابلة .. , بل وعلى رؤوس الاشهاد وبعيد عن الرجاء والانتظار الممل فجأة يعلنها أحدهم داوية , وبذات اليأس والضجر:
ـ " أحبائى وأخوتى مع بروز صخور الشلال وأنحسار الموج تماما يؤسفنى أن أقول للجميع بانة لاصنادل .. ولاحتى مراكب شراعية ستأتى اليوم أو غداً إلى " نبتة " أوالى " نيوسايت " نفسها .. , تعود أدراجها يلفها نوع من الوجوم المتكلس, والصمت والزهول منكسرة الخاطر , بل بداخلها تهمس مرتعبة , بل تعصف مذمجرة كالرعد " يومان أو شهران وهذا الثالث على الابواب .. ولا تأتى مراكبك يا .... , ثم أصحيح ما يدعية حرفياً " كهنة أمون " بأن " .. مراكب الشمس لاتاتى أبدا ليلاً .. اا " , تفتح الباب متخازلة الخطئ ليأتى صوت أمها , ومن داخل غرفتها الطرفية , ووجهها المصادم وصوتها القلق , يلهبها هذة المرة بسياطة التى لاترحم , ومن حيث لا تدرى تعصف غاضبة مزمجرة :
ـ " كل الجهادية والملازمية حتى جيوش زقل والدبابين .., عادوا وهو وحدة الذى لم يعد .. اا " , بل تتهكم بضجر مزدرية وكانها تنعى حظى وربما حظها العاثر تعصف : " سعدك يانافلة .. قالوا الليلة جابت العرب جافلة .. " , .. تصرخين داخلك ولوحدك وبلا صوت : غدا .. غدا أمى ستضع الحرب اوزارها .. غدا سيأتى كوعدهم ناشر الحلم والامل والسلام .. ليحملنى على صهوة جواده الابيض .. لنحلق سوياً بين طيات السحاب غداً .. يا أمى لا تستعجلى .. بالحق ألم يواعدنى ويقول لى بأن غداً " مشاكوس " وً " نيفاشا " , ثم " نيفاشا " لوحدها وعد .. , ووعد الحر دين علية ..اا " , بل بصوتها القلق المتوجس , تواصل أمها حديثها وبسيناريو أخر مختلف , وربما مهادنا وبأكثر مما تتصور .. بل تستدرجها ولتقول لها :
ـ " النخيل " .. , تعالوا أنت وأخيك " حامد " , لأحكى لكم وللزمن حجويتة " أم كشونة " , وبنتها الدفقت مويتها على الرهاب .. " , تقاطعها قائلة :
ـ " أمى " أحاجى " بخيتة " الغجرية , وحتى وصيتها لبنتها " فليفلة أم شلخ " , أحفظها الآن على ظهر قلب , ولو شئيتئ لى لارددها لك عشرات المرات :
شعرك مشطى ..
وقرعك حكحكى ..
ولو جاك " ود السلطان ماتأبى .. " , بامتعض تلتفت اليها ضجرة ,بل تصدح متهكمة وبصوت مسموع وكأنها تفند حقائقها :
ـ أسمعى كلامى أنا دى .. لا " ود سلطان سنار " يعرسك , ولا أولاد " المانجيل " شيخ عرب " قرى " يعرسوك .., وسمح لو قلنا يعرسوك يعرسوك بشنوا ؟ ولا عايزاهم يعرسوك بى قملك وصوابك دا؟ .." , ثم تلتفت مترفعة لابنها " حامد " قائلة بيأس وقنوط :
ـ " يا ولدى قوم أدينى السعف والحنقوق دا .. , خلينى أخيط أضان القفة دى عشان أقدر الحق بيها السوق .. خلاص صبرى ونهارى كمل معاها .. اا " .. .
-5-
ولأنها دائماً ما كانت تختبئ متوارية , وراء كلماتها الخجلة وأحلامها المفعمة برجأتها المبتورة , لكل ذلك .. أتخيل بأن صوتها ذاك الصباح المختلف النبرة , جاء متهدجاً ومتعباً خالى تماماً من أى معنى للزيف والرياء , بل أتخيلة جاء أكثر وضوحاً وتصالحاً مع القدر والذات جاء كما لو يود , أن ينفض كل ما علق به من الم أو معاناة وللابد , ليفاجئها على حين غرة صوت أمها المتيقظ والسليط , هذه المرة حاسماً ومحرضاً أكثر من أى وقت مضى .., تهتف تحيل بينها وبين الخروج هذة المرة بالذات وفتح باب الحوش :
ـ " النخيل " .. بنيتى إلى أين هذا الصباح الراعد الممطر ؟ , إلا تسمعين فحيح العاصفة وتوحش الهدام بالخارج , قالت لها وهى تزدرد الصبر الذى يغالبها :
ـ " أمى " ساذهب لمشرع " أم بخوت " , لأجلب بعضاً من ما ء الوابورات فماكينة الدونكى خربة ومعطلة , وكما أعلنوها البارحة بسوق ستة .. , ولاتوجد فى أزيارنا قطرة ماء واحدة " , رفعت وجهها وعاجلتها :
ـ " أصحيح لاتوجد قطرة ماء واحدة فى ازيارنا كلها .. أذهبى يابنيتى عجلى .. فأنا بالحق عطشة .. , أروينى قبل ان تروينى دموعك .. !!).
لاول مرة خرجت ذاك الصباح يا " نجلاء " , بدون رفقتى المامونة أخى " حامد " الذى مضى باكراً , مع جموع الصبية لكتاتيب القرية المجاورة , وأنا أنزع أقدامى التى أضحت كما التى تؤد لو تقدم خطوة وتؤخر أخرى , .. أنزعها نزعاً لأريح وأستريح ولكن هيهات أن استريح ليأت صوتها , وفى نزلة اخرى وكما الذى يحبس عنى الباب أو ربما بطريقة أو أخرى , مودعا وباحساسها الخارق للعادة والذى لايخونها أبدا , بل ولتسمعنى باصرار وصاياها وربما لآخر مرة :
ـ " النخيل " .. بنيتى أحسست البارحة .., كما لو أن حبيبات حجلك مرخية .. شديه يابنية .. شدية بالحيل ولاترخيه ..ابداً .. " , همسى الان يصدح بالداخل بحرقة والم , وأنا أنتزع خطاى وأصرخ داخلى :
ـ ".. وعدى لك كان ومازال , سأفعل كل مايرضى غرورك أنت , ويرضيها هى .. وسابحر مرغمة فى جوف العاصفة , وساواجة لوحدى التيار الجارف وقسوتة , ولكن ليس قبل أن أسالكم كلكم لماذا أنا بالذات وتحديداً ؟ وأنت؟ وهو بالذات دونهم كلهم ؟ وما ذنبها هى ؟وعيناها المنطفئتان ؟ وحد الفقر المدقع ؟ والكفاف ؟ ولا حوجة ماسة سوى حظى العاثر , ثم وعدك وعودة أبن عمى " أواب " الوعد المستحيل لنا الاثنان والذى بوعسائة , لن يتم أى شيئ أبداً بعد اليوم , بل أننى أرجوك يا " نجلاء " , وأتوسل إليك وللمرةالالف إلا تحرضية , ولو رمزا برد العدوان على أى أحد كان , حتى ولو جاء ذاك اليوم مقتصداً بعض من مهرى الغالى , وعدت وأنت حفية سوية من غربتك الذهانية فينا , فدمى لم يفرق يقينا بينهم , بل قدرى الحقيقى الآن أن أستبق الأحداث , وأتأطأ من تداعيات الخوف والجبن الإنسانى .. , وأزرع بشجاعة وإصرار بعض من الامل لأخى " حامد " , حتى لايكون غيابى خلسة هكذا حزناً ونزفاً , بل يكون على النقيض من ذلك كلة , مبرراُ جداً ولأكون فى سمع وجمع كل القرية كما كنت فى الماضى , .. " الحلم لمن لاحلم لة .. والحب لمن لاحب لة .. والنسمة عندما تضنى المناخات.. " .
تمت ,,,
فتحى عبد العزيزمحمد
" سودانى "
الطائف /الحوية
9 / يناير/ 2009م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق